هل يعيد الحُلم تشكيل مشاعرك؟

هل يعيد الحُلم تشكيل مشاعرك؟

إذا كانت الأحلام تُعاد فيها برمجة الذكريات والعواطف في العقل الباطن…
فهل كل ما تعتقد أنه شعور حقيقي، كان في الأصل حلمًا أعاد تشكيله عقلك ليبدو واقعًا؟

في صمت الليل، حين تنام الحواس، يبقى العقل الباطن ساهرًا. ليس كحارس، بل كفنان يعيد نحت المشاعر والذكريات على طريقته، دون إذن منك، ودون وعي منك أيضًا. ولربما ما تسمّيه اليوم بـ”شعور صادق”، لم يكن سوى منتج لحلم عابر، غيّر شعورك الأصلي، واستبدله بنسخة جديدة تحمل توقيع العقل الباطن لا وعيك.

علم النفس الحديث، وتحديدًا علم النفس العصبي، لم يعد ينظر إلى الحُلم على أنه مجرد صور عشوائية تنهمر من اللاوعي. بل أثبتت الأبحاث – وفي مقدمتها أبحاث البروفيسور ماثيو ووكر (Matthew Walker) وروبرت ستيكغولد (Robert Stickgold) – أن النوم، وتحديدًا مرحلة حركة العين السريعة (REM)، يُعدُّ مسرحًا داخليًا يُعاد فيه إخراج الذكريات العاطفية بصورة مختلفة.

ففي تلك المرحلة، يحدث ما يُعرف علميًا بـ”المعالجة الوجدانية”، حيث يسترجع الدماغ الذكريات المرتبطة بعواطف قوية، ويقوم بفصل الشعور عن الحدث، ثم يعيد بناءهما معًا من جديد. كأن العقل يقول: “دعني أراجع شعورك هذا… قد يكون غير مناسب لحالتك الراهنة.”

وقد بيّنت الدراسات أن هذا الفصل والتعديل يتم في بيئة خالية من هرمون التوتر (النورأدرينالين)، ما يتيح للعقل فرصة “لإعادة ترميز الإحساس”، دون ضغط نفسي، ودون انحياز للمشاعر القديمة. وبهذا، يستيقظ الإنسان وهو يشعر بميلٍ تجاه من كان يرفضه، أو بخوفٍ من موقف لم يكن يخيفه من قبل. لا لأنه تغيّر، بل لأن الحلم أعاد تشكيل الشعور من الداخل.

ولعلنا هنا لا نتحدث عن مجرد نظرية، بل عن آلية فسيولوجية عميقة تعني أن بعض مشاعرك اليومية – التي تعتقد أنها نابعة من “قرار داخلي” – ليست سوى برمجة حلمية تمت دون علمك. الحُلم، إذًا، لا يستأذنك كي يُعدّل ذاكرتك الوجدانية. بل يتصرف كمهندس نفسي يعمل في الظلام، ثم يتركك تواجه النهار بإحساس جديد يبدو طبيعيًا… لأنه بات جزءًا من وعيك دون مقاومة.

وهنا تنشأ المفارقة الفلسفية: إذا كان بالإمكان للحُلم أن يُعيد برمجة شعورك الأصلي، فهل لا زال بوسعك التمييز بين ما هو “أصلي” وما هو “معدّل”؟ بل هل لا زالت مشاعرك هي مشاعرك حقًا، أم أنها مجرد مُخرجات عاطفية لحاسوب داخلي اسمه العقل الباطن؟

ألا يمكن، بناءً على ذلك، أن تكون بعض قناعاتك، وانجذاباتك، بل وحتى مخاوفك – هي إعادة إنتاج درامية لصورة داخلية غيّرها الحلم ثم تركها فيك كأنها الحقيقة؟

هذا الاكتشاف لا يُقلل من قيمة الشعور، بل يفتح نافذة على معناه الأعمق:
أن الإحساس قد لا يكون دائمًا قرارًا واعيًا… بل تركيبًا لاشعوريًا أعيد تشكيله في نومٍ عميق.

في النهاية، لم يعد الحُلم مجرد رحلة خيالية تهرب بها النفس من أعباء النهار…
بل أصبح أداة تعديل نفسي، ومحررًا خفيًا لمحتوى مشاعرك الداخلية، يعيد ترتيبك من الداخل لتواصل التكيّف مع واقعك – وإن لم تكن تدري.

وهنا، يصبح السؤال الفلسفي أكثر حدة:
كم من شعورٍ تعيشه الآن ليس لك؟ بل لحُلمٍ نَسَجَه عقلك وأقنعك أنه حقيقي؟

✍️ بقلم: فريح الرويلي
باحث ف النفس البشرية وتفسير الأحلام

4 تعليقات

اترك رداً على محمدإلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scan the code